على مدى سنوات عديدة كانت مسألة انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي من الموضوعات التي يجري النظر فيها ودراستها بجدية وخاصةً منذ عام 1999 عندما تم منحها صفة “المرشح” لعضوية الاتحاد الأوروبي. لطالما كانت العلاقات بين الجمهورية التركية والاتحاد الأوروبي علاقات شراكة اقتصادية واستراتيجية وثيقة وكانت أبرز المراحل التي شهدتها تلك الشراكة في الستينيات مع توقيع تركيا لاتفاقية أنقرة مع المجموعة الاقتصادية الأوروبية عام 1964، وكذلك اتفاقية الاتحاد الجمركي مع الاتحاد الأوروبي في عام 1995. وفي السنوات الأخيرة شهدت تلك العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي الكثير من التوترات والشد والجذب، مما دفع الكثيرين للتساؤل عما إذا كانت الفرصة لا تزال قائمة في انضمام تركيا فعليًا للمنظمة الدولية الأوروبية العريقة.
بدأت المناقشات الجدية للنظر في مسألة قبول انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي في عام 1997 في قمة المجلس الأوروبي في لوكسمبورغ حيث أعلن الأعضاء أن تركيا مؤهلة لأن تصبح عضوًا في الاتحاد الأوروبي. وتبع ذلك اجتماع آخر بعد بعامين في قمة المجلس الأوروبي في العاصمة الفنلندية هلسنكي والذي شهد قرارًا تاريخيًا بالإعلان عن منح تركيا صفة الدولة المرشحة للعضوية. مع تأسيس الاتحاد الجمركي مع الاتحاد الأوروبي في عام 1995 كانت التوقعات تبدو إيجابية للغاية في ظل تقارب العلاقات بين تركيا وجيرانها الأوروبيين. واستمر الوضع في التحسن على مدى السنوات التالية حتى أعلن المجلس الأوروبي في عام 2004 أن تركيا أصبحت مستعدة بما يكفي لبدء المفاوضات الرسمية للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وهو ما حدث في العام التالي، حيث بدأت سلسلة من المفاوضات في عام 2005، لكن لم تتكلل تلك المفاوضات بالنجاح في ظل وجود العديد من التحفظات تجاه غالبية فصول المناقشات بين الجانبين.
ومع ذلك فعلى مدى العقد الماضي عُقدت العديد من الجلسات لمراجعة الفصول المختلفة بملف انضمام تركيا ولم تكن النتائج إيجابية في العادة. وأخيرًا في يونيو 2018 خلص مجلس الشؤون العامة للاتحاد الأوروبي إلى أن مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي قد توقفت فعليًا مع عدم إمكانية النظر في أي فصول أخرى لفتحها أو إغلاقها في المستقبل القريب. ومع ذلك فبحلول أوائل عام 2021 كان هناك تحول في التوجهات وبدأ الاتحاد الأوروبي في تغيير لهجته فيما يتعلق بتعاونه وعلاقاته مع تركيا، وأعربت الدول الأعضاء عن استعدادها للتعاون مع تركيا في العديد من المجالات الإشكالية بما في ذلك التغير المناخي والهجرة والأمن، وبدأت سلسلة جديدة من المناقشات وفقًا لشروط معينة حددها المجلس الأوروبي.
ومؤخرًا عقدت عدة اجتماعات بين المسؤولين من الجانبين على المستويين الرئاسي والوزاري، في ظل تأكيد والتزام متبادل بالإبقاء على قنوات الحوار مفتوحة. ومع ذلك فبينما تعلن المصادر التركية الرسمية عن التزامها المستمر بعملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، يبدو أنه لا يزال هناك طريق طويل لتحقيق ذلك.
لا شك أن انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي سيكون مفيدًا اقتصاديًا للطرفين. فعلى الرغم من أي مخاوف قد تكون لدى الجانب الأوروبي، فإن الحقيقة هي أن الاتحاد الأوروبي هو أكبر شريك تجاري لتركيا، وفي المقابل تعتبر تركيا هي سادس أكبر شركاء الاتحاد الأوروبي من حيث حجم التبادل التجاري. يكفي أن نعرف أن اثنين من أصل كل خمسة منتجات يتم تداولها في تركيا تمر عبر الاتحاد الأوروبي، كما أن جزءًا كبيرًا من الاستثمارات الأجنبية المباشرة في تركيا تأتي من الاتحاد الأوروبي. يمكن لتسهيل حركة الواردات والصادرات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا بدرجة أكبر أن يحقق لتركيا الكثير من الإيرادات وأن يساعد في المقابل على توفير المزيد من السلع والخدمات للجانب الأوروبي. بالنسبة لتركيا سيكون هذا محل ترحيب كبير من أجل تعزيز الأعمال والصناعات التي تضررت جراء جائحة كورونا. كما ستساعد عملية الانضمام في حال حدوثها على تخفيف الضغط على تركيا للتعامل مع تدفق اللاجئين إلى الأراضي التركية. وعلى الرغم من أن الاتحاد الأوروبي تعهد بتقديم مساعدات بقيمة 6 مليارات يورو لدعم اللاجئين في تركيا، إلا أنه يمكن القيام بما هو أكثر بكثير إذا أصبحت تركيا إحدى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
بالنسبة للمواطنين الأتراك، فإن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي سيخلق لهم المزيد من الفرص للعيش والعمل في الدول الأوروبية، فضلًا عن تعزيز الروابط الثقافية المهمة بين الجانبين. وعلى الرغم من وجود أكثر من خمسة ملايين مواطن تركي يعيشون في الدول الأوروبية حاليًا وفقًا للإحصاءات، إلا أن الحصول على تأشيرة للدخول أو الإقامة في غالبية الدول الأوروبية تظل عملية طويلة وصعبة إلى حدٍ ما.
أما فيما يتعلق بالسفر بين تركيا والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، فإن المواطنين الأتراك يحتاجون إلى التقديم للحصول على تأشيرة للسفر إلى دول الاتحاد الأوروبي بينما في المقابل تسمح تركيا لمواطني دول الاتحاد الأوروبي بالسفر إليها بدون تأشيرة. هذا على العكس من العديد من الدول الأخرى التي قد يحتاج مواطنوها إلى التقديم المسبق للحصول على تأشيرة إلى تركيا من خلال استيفاء متطلبات فيزا تركيا الإلكترونية.
وفقًا لما تقدم، فإن بعض المؤشرات توحي أن الانضمام الفعلي لتركيا إلى الاتحاد الأوروبي يبدو أنه لن يتحقق في المستقبل القريب، على الرغم من أن تركيا تشترك مع الجانب الأوروبي في عضوية العديد من المنظمات البارزة مثل مجلس أوروبا وحلف شمال الأطلسي ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، إلا أنه يبدو أن هناك حاجة لبذل الكثير من الجهود في سبيل تقدم المفاوضات المتعلقة بالانضمام إلى عضوية الاتحاد. وحتى ذلك الحين، فمن المرجح أن يظل موقف الاتحاد الأوروبي كما نُشر في تقرير صدر عام 2021 حول ملف تركيا والذي جاء فيه: “بشكل عام هناك حاجة إلى مزيد من الجهود الكبيرة في العديد من المجالات بشأن التوافق مع تشريعات الاتحاد الأوروبي. في جميع المجالات يحتاج تطبيق وتنفيذ ذلك إلى إجراء تحسينات ملموسة. يعتبر ضمان استقلالية السلطات التنظيمية وتطوير القدرات الإدارية أمرين أساسيين لتركيا لإحراز المزيد من التقدم”.