شاركت رئيسة المفوضية الأوروبية “أورسولا فون دير لاين” في الجلسة الافتتاحية للمشاورات الوطنية الإيطالية والتي دُشنت يوم السبت الفائت، وقد أعلنت خلالها عن عودة التضامن الأوروبي قائلةً بوضوح:
“اليوم أستطيع أن أقول لقد عادت روح مؤسسينا. لقد عادت أوروبا”.
رئيسة المفوضية “فون دير لاين” والتي دُعيت للتحدث في هذه المشاورات من قبل رئيس الوزراء الإيطالي السيد “جوزيبي كونتي”، بعثت من خلال كلمتها هذه برسالة قوية إلى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مفادها أن أوروبا يمكنها الانتصار على الأزمة الحالية.
وأشادت الرئيسة “فون دير لاين” خلال كلمتها بجهود إيطاليا ونهوضها بمسؤولياتها تجاه التصدي لجائحة كورونا، قائلةً: أن إيطاليا اتخذت “إجراءات جريئة” ليس فقط للحد من انتشار الجائحة وحسب، وإنما كذلك من ناحية تأمين الوظائف والحد من الأضرار الاقتصادية الناتجة عن هذه الجائحة والتي كان لا مفر من حدوثها لاسيما عندما وصل حد انتشار الجائحة إلى مستويات وبائية. ومع ذلك، وبينما تستمر المعركة ضد هذا الوباء ولاتزال الإجراءات الوقائية للحد من انتشاره سارية المفعول، فقد أصبح إعلان التضامن والوحدة بين أعضاء الاتحاد الأوروبي لحظةً حاسمةً في مكافحة هذا المرض.
لم يكن إعلان السيدة “فون دير لاين” الآن عن التضامن الأوروبي أمرًا مؤكدًا خصوصًا خلال ذروة الأزمة وانتشار المرض، حيث أن عدم الاتفاق على الدعوة السابقة لإنشاء صندوق طوارئ مشترك لمواجهة تداعيات انتشار فيروس كوفيد-19 قد هدد حينها بتقسيم الاتحاد الأوروبي.
ففي أبريل الماضي بينما كانت كل من إيطاليا وإسبانيا تسعيان جاهدتان لاحتواء الانتشار السريع للمرض على أراضيهما، كانت دول أخرى في الاتحاد الأوروبي تسعى لتحديد أفضل الطرق والخيارات العملية لاحتواء الكارثة على صعيد مستويات الرعاية الصحية والاقتصادية الشاملة، حيث أصرّت حينها دول جنوب أوروبا وخاصة إيطاليا وإسبانيا على السعي لإنشاء صندوق مشترك “لسندات كورونا” وذلك لمساعدة الدول التي تأثرت بشدة نتيجة تداعيات انتشار هذا الوباء، وقوبل هذا المسعى بنقاشات حادة من قبل دول شمال الاتحاد كألمانيا والنمسا وهولندا.
هذا التباين في المواقف تسبب في إثارة الجدل حينها، لاسيما عندما دعى الرئيس الفرنسي “ماكرون” إلى التضامن الأوروبي، موجهًا أيضًا انتقاداته إلى من وصفهم “بالشعبويين” بقوله أنهم يؤيدون التضامن الأوروبي عندما يتعلق الأمر بتصدير بضائعهم إلى بلادنا، ولكنهم يرفضون تأييد هذا التضامن عندما يتعلق الأمر بتقاسم الأعباء والديون. وكانت رئيسة المفوضية الأوروبية نفسها أقرت سابقًا بعجز الاتحاد الأوروبي وبطء استجابته في التصدي لهذا الحدث الذي أُعلن عنه بأنه جائحة قبل شهر من انتشاره الواسع وأُعلن بسببه أيضًا عن حالة طوارئ دولية تهدد الصحة العامة وذلك منذ نهاية يناير الماضي.
ومع ذلك، وبالرغم من الانقسامات والخلافات السياسية التي سادت الأجواء خلال شهر أبريل، إلا أن تفاقم المرض خلال شهر مايو والجهود المنسقة التي بُذلت من قبل دول الاتحاد الأوروبي لمكافحة انتشاره قد استطاعت تغيير التوقعات، وتحول كوفيد-19 من سبب قد يهدد وحدة الاتحاد الأوروبي إلى عدو مشترك يقف الجميع بوجهه، الأمر الذي دفع الألمان والفرنسيين والأسبان والإيطاليين وكل الأعضاء الآخرين للتضامن في خندق واحد لمواجهة هذا الوباء.
وقد أوضحت الرئيسة “فون دير لاين” هذا الأمر في خطابها، حيث أشارت إلى أن هذا الوباء قد خلَّف أضرارًا واسعةً، وخسائر ثقيلة في الأرواح، إلا أن أوروبا استمرت في مكافحته، وتمكن الاتحاد الأوروبي من بلورة التضامن بين الدول الأوروبية ومكنها من الاعتماد على بعضها البعض في أوقات الأزمات، وبذلك أثبت الاتحاد الأوروبي أن القيمة التأسيسية له لايمكن أن تكون ببساطة مجرد خيال مثاليّ. فما زالت روح الاتحاد الأوروبي حية، وأصبحت أقوى بعد أن تمكنت من مواجهة هذا المرض. وكما قالت فون دير لاين:
“لقد عادت أوروبا”.